أسيرةٌ في دائرةِ العنفِ : كيفَ تتكونُ دائرة العنفِ ولماذا منَ الصّعبِ الخروج منها ؟
في الكثيرِ من الأحيانِ ما ننظر للعنفِ الأسري كدائرةٍ. فما القصدُ من ذلك؟ دائرةُ العنفِ هي بمثابةِ نمطٍ سلوكيٍّ بينَ الشّخصِ المتعدي والمعتدى عليّه. فعادةً ما تكونُ هناكَ تهدئّة بعدَ موجةِ العنفِ والَّتي قدْ تجعلكِ تعتقدينَ أنَّ هذهِ الامور لنْ تتكررَ. فدائرةُ العنفِ لا تتكونُ في غضونِ يومٍ واحدٍ. بلْ تكونُ جزءاً من أُمورٍ تجعلكِ تفقدينَ الثِّقةَ بالنَّفسِ وبقدراتكِ. فيمكنُ للعلاقةِ أنْ تبدأ كقصةٍ منْ قصصِ "ألفِ ليلةٍ وليلةٍ " حيثُ يشعركِ بأنّكِ حبُّ حياتهِ وبأنّكِ الواحدةَ والوحيدة. ولكن رويداً رويداً ينتابكِ الشعورُ بأنّكِ تفقدينَ زمامَ الأمورِ فحتّى أنّك تخافينَ أنْ تطرحي موضوعات للنقاشِ خوفًا من إغضابهِ. كذلكَ طريقةُ لبسكِ لمْ تعدْ كما هيَ خوفًا منْ انتقاداتِه، وأنّكِ على وشكِ ترك التَّعليمِ لكي تتفرغي لهُ ولعائلتكِ.
عادةً ما يكتنفُ العنفُ الأسريُ العديدُ من التناقضاتِ فإلى جانبِ الحبّ والاهتمامِ نجدُ السَّيطرةَ والاذلالَ أو حتّى عنفًا جسديًا. فعلى الرَّغمِ منْ كونهِ زوجًا عنيفًا فـأنتِ ما تزالينَ تحبينهُ كثيرًا ولكنكِ أيضا تخشَيْنَهُ وتكرهينهُ في الوقتِ ذاتهِ. فمشاعرُكِ قدْ تتغيرَ بوتيرةٍ كبيرةٍ وذلكَ وفقًا لما يحدثُ بالبيتِ. فبعدَ موجةِ العنفِ عادةً ما نرى الزّوج يذرِفُ الدُّموعَ ويطلبَ الصَّفحَ مدعيًا أنّ هذا لنْ يتكررَ ثانيةً محاولاً برهنةَ ذلك باقتنائهِ هدايا ثمينة مما يشعركِ أنّكِ تعيشينَ في شهرِ عسلٍ. ففي كلِ مرةٍ تحاولينَ إِقناعَ نفسكِ بأنَّها المرة الأخيرة وبأَنَّهُ بالإمكانِ فتحُ صفحةٍ جديدةٍ وإِعطاءُ العلاقةِ فرصةً جديدةً وذلكَ أَيضًا من أجلِ الحفاظِ على الأولادِ وعدمِ تفكيكِ الأسرةِ.
ولكن سرعانَ ما تعودُ الامورُ لسابقِ عهدها. فيعودُ العنفُ وتعودُ الإهانات. فدائرةُ العنفِ دائمًا ما تعاودُ الدوران. فبعدَ موجةِ العنفِ تأتْي التهدئةُ ومعَ ازديادِ التَّوتر تعودُ موجةُ العنفِ لتضربَ ثانيةً. ففي بعضِ العلاقاتِ نجدُ أنَّ العنفَ يضربُ في فتراتٍ متباعدةٍ وفي بعضها نجدُ تصعيدًا في حدةٍ العنفِ. فكلُّ علاقةٍ لها ميزاتها الخاصَّةَ.
منَ الممكنِ أنْ تشعري بأنَّكِ ضعيفةٌ جداً، وأنَّكِ لا تستطيعينَ إِيقافَ الألمِ، وبأنّه ليسَ بمقدورك اجتياز ذلك لوحدَكِ دونَ مساعدة ومساندة. يمكننا أن نتفهّمَ هذا الشعور لأنّ الآلية التي تقومُ عليها العلاقة التي يسودها العنف تهدفُ لإبقائنا في داخلها.
الإذلالُ
يمكنهُ أنْ يكلمكَ بطريقةٍ مسيئةٍ، وأنْ يجدَ نقاطَ ضعفكِ ويضغطَ عليكِ من خلالهم، ويمكنهُ أنْ يجعلكِ تشعرينَ بأنَّكِ لستِ جميلة وجذابة ولا تستحقينَ الحبّ .
الاستهزاءُ والتَّقزيمُ
يمكنهُ أنْ يشعركِ بأَنَّكِ ضعيفةٌ وعديمةُ الثقةِ بالنفسِ، وأنْ يمنعَكِ منَ التَّقدمِ في مجالِ عملكِ أو الاستهزاء بطبيعةِ عملك.
تحطيمُ الذّات
فبنظرهِ أنتِ لا تجيدينَ تربيةَ الاطفالِ أو الطَّبخِ أو التَّعبيرِ عنْ نفسِكِ أوْ أيّ شيء آخر.
التَّشكيكُ بمدى حبّ الاطفالِ لكِ
فيمكنُهُ أنْ يجعلَكَ تتشككين بأمومتك وتشعرينَ بأنّ أولادَكِ يستهترونَ بكِ ولا يحبوكِ ويمكنَهُ أنْ يبعدكِ عنْ الأشخاصِ العزيزين عليك.
هلْ تذكرينَ المرّةَ الاولى الَّتي شعرتِ بها بالخوفِ؟ هلْ كانَ ذلكَ بسبِ أحدِ الأشياءِ الَّتي قالها ؟ أم بسبب نظراتِهِ لك؟ أوْ لربما عندما حرمَكِ من الخروجِ معَ أطفالكِ ؟ وهل فكرتِ في تلكَ المرّةِ أنَّهُ منْ حقكِ أنْ تشعري بالأمانِ في داخلِ بيتكِ ؟ فالجميعُ يعلمُ أنّ علاقتكما ممتازة ولا أحدَ يمكنهُ أنْ يتخيلَ الأمورَ الَّتي تحدثُ في البيتِ. ومعَ تكرارِ عملياتِ العنفِ تتعلمينَ التَّعايُشَ معها وتحاولينَ حمايةَ نفسكِ وأولادكِ وتحاولينَ منعَ تكرارها. ولكنْ دائرةُ العنفِ لا تتوقفُ وستبقينَ أسيرةً لها.
عندما تكونينَ في دائرةِ العنفِ يكونُ منَ الصعبِ الحديثُ عن ذلك والأصعبُ من ذلك هو طلبُ المساعدةِ . ولكن أنتِ لستِ وحدكِ. فهنالك العديدُ منَ النّساءِ الّلواتي عانين من نفسِ الضّائقةِ واستطعن أنْ يُحدثن تغييراً. فلذلك عليكِ التوجهُ وطلب المساعدةِ منْ أَشخاصٍ تثقينَ بهم: أقارب، صديقة، جارة، معلمة الأولاد. توجهي لمركز سلامة العائلة التابع لمنطقة سكناك أو لجمعياتٍ مختصة التي بإمكانها تقديمُ المساعدةِ والنصيحةِ واطلاعكِ على حقوقكِ وعلى كيفيةِ الحفاظِ على نفسكِ وعلى اولادِكِ فأَنتِ غيرُ ملزمةٍ أنْ تعيشي في خوفٍ ومذلَّةٍ ولا ملزمةٌ أنْ تقبلي أَنْ يسودَ العنفُ بيتكٍ. توجهي لطلبِ المساعدةِ فبإمكانِكِ أَنْ تخطي الخطوةَ الأولى نحوَ العلاجِ، الذي يمكنه لاحقاً وبموافقتك تجنيد الزوج للعلاج بطرق مهنية وملائمة.
5- اسقاطات العنف الأسري على الاولاد. العنفُ داخلَ الاسرةِ يمكنُ لهُ أنْ يمسَّ الاطفالَ أيضًا إمّا كشاهدين على العنفِ أو كضحايا لهُ. بشكل عام ، من الصعب على الأهل الاعتراف بوجود ضرر على الأولاد من خلال انكشافهم للتوتر والمواجهات في البيت، رغم ذلك فالأولاد يشعرون ويتأثرون لكن ليس باستطاعتهم دائمًا التعبير عن ذلك كلاميًا.
منذ فترة الحمل, مشاعر الضائقة والخوف التي ترافق الأم تؤثر على ظروف الحمل ووضع الجنين. لاحقًا تظهر عوارض سلبية وأَضرار في النَّواحي العاطفيَّةِ لدى أولئكَ الأطفالِ. غالباً ما يحاول الاولاد عدم كشف ما يحصل داخل البيت ويصرفون طاقة وجهد كبيرين للحفاظ على السر.
منَ المهم أَنْ نعلمَ أَنَّ الأطفالَ متعلقون بشكلٍ كاملٍ بالأهلِ أوْ بأشخاصٍ بالغينَ اَخرين الّذين منْ شأنهم أنْ يكونوا حلقةَ وصلٍ بينَ الأطفالِ والعالمِ وأَنّ يمنحوهم الأمنَ والأمانَ. الولدُ الّذي يتضررُ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرَ مباشرٍ منَ العنفِ داخلَ البيتِ, يشعر بصراع الولاء بين كلا الوالدين، وكذلك بخوف وقلق دائم لإمكانية حدوث أمر ما في بيته. فقد تبدو عليهِ عدةُ عوارضٍ عاطفيّةٍ، سلوكيّةٍ، وفسيولوجيّةٍ. تشيرُ الابحاثُ الى أنَّ الاولاد يكونون شاهدين على اكثر من 75% من حالاتِ العنفِ الأسريِ ونصفُهم يتعرّضونَ بأنفسهمِ للعنفِ. الأولاد الذين يعيشونَ بأسرةٍ عنيفةٍ يشعرونَ بخوفٍ دائمٍ، خجلٍ وشعورٍ بالذنبِ والوحدةِ. هؤلاء الأولاد يبذلون الجهد والمعاناة العاطفية لما يحدث داخل بيوتهم مما يؤثر على مسار تطورهم الطبيعي. يمكنُ لهذهِ العوارض أن تلازمَ الأولاد حتى في فترة البلوغ .
المعلومات متاحة بالتنسيق مع العاملة الاجتماعية منى مزاوي (معالجة ومرشدة بمجال العنف الاسري) ولا تشكل بديلا لاستشارة خبراء في هذا المجال